مع زيادة الآثار المتعلقة بتغيُّر المناخ في شتَّى بقاع العالم، أصبح السعي إلى تطوير مصادرِ الطاقة النظيفة، واستخدامها، أكثر أهميَّة من أي وقت مضى، ومنها الطاقة النووية، سواء عن طريق طاقة الانشطار النووي، أو آفاق تطوير تكنولوجيا الاندماج النووي، بما يمثله ذلك من آمال واعدة في هذه المساعي، التي تُعَدُّ في غاية الأهمية، ليس لتوفير أمن الطاقة فقط، ولكن في توجيه عالمنا نحو الحياد الكربوني أيضاً.

وعلى سبيل المثال تُعرَف دولة الإمارات العربية المتحدة بثروتها النفطية، وبالرغم من ذلك، فهي تعمل الآن مع شركائها في قيادة التحول العالمي نحو الاستدامة، فيُعد إعلان دولة الإمارات سنة 2023 «عام الاستدامة» شهادة صريحة على اهتمامها بالحفاظ على البيئة، والعمل حثيثاً نحو مستقبل مستدام. وفي ظل احتضان الإمارات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28) في نوفمبر المقبل، تُعدُّ جهود الإمارات مصدر إلهام للدول الأخرى في مختلف أنحاء العالم، فكيف تندرج الطاقة النووية في مساعي دولة الإمارات نحو الاستدامة؟

تدرك القيادة الرشيدة لدولة الإمارات حقيقة العمر المحدود للوقود الأحفوري، وتداعياته البيئية، فقد نوَّعت مصادر الطاقة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وتُعدُّ محطة براكة للطاقة النووية، وهي أول محطة طاقة نووية في العالم العربي، رمزاً لهذا التحول، إذ يعتمد إنتاج الطاقة في هذه المحطة على طاقة الانشطار النووي، ولا يقلّل مصدر الطاقة هذا من البصمة الكربونية للدولة فحسب، بل يضمن كذلك إمداداً موثوقاً به بالطاقة لسكانها، واقتصادها المتنامي على نحو متزايد.

وفي الجهة الأخرى من مصادر الطاقة النووية النظيفة، ومع وضع العالم رهاناته على الاندماج النووي - وهو العملية التي تحاكي إنتاج الطاقة في الشمس – تهدف الإمارات أيضاً إلى التعاون مع الشركاء العالميين في هذا المجال، بهدف استكشاف مصدر جديد ونظيف وآمن للطاقة في المستقبل، فإذا تحققت تكنولوجيا الاندماج النووي على نطاق تجاري، فإن ذلك يعِد بطاقة لا تنضب مع إمكانية تقليل النفايات المشعة إلى حد كبير.

وعام الاستدامة ليس مجرد «علامة»، إنما التزام عملي من الإمارات لمساعيها بمجال الطاقة النووية، إذ تدعم الدولة بشكل فعَّال استخدام الطاقة المتجددة، وتوفير المياه، وإدارة النفايات، والنقل المستدام، ومن خلال تبني نهج متعدد الجوانب تضع الإمارات معايير للانتقال المتكامل نحو الاستدامة.

وأخيراً عندما يجتمع قادة العالم، والناشطون البيئيون، وصانعو السياسات لمؤتمر «كوب 28»، توفر خطوات دولة الإمارات في الطاقة النظيفة، خصوصاً الطاقة النووية، خريطة طريق للنقاش الفعَّال، إذ تمكِّن المجتمع الدولي من استخلاص الدروس المستفادة من حفاظ دولة الإمارات على التوازن بين النمو الاقتصادي السريع، والحفاظ على البيئة.

وختاماً، في ظل التحدي الكبير الذي يطرحه تغيُّر المناخ، فإن الحلول الرائدة والالتزامات الراسخة هي حاجة ملحَّة للعالم اليوم، ويمكن أن تضيء الطاقة النووية، بإمكانياتها الضخمة المستقبل نحو الاستدامة، ونحو عالم خالٍ من الانبعاثات الكربونية، بدعم من رؤية دول سبَّاقة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.

*أستاذ مساعد في قسم الهندسة النووية - جامعة خليفة